· الجماعات الإرهابية ستكون أكثر نشاطا في مناطق التقاطعات الحدودية بين الدول سواء تعلق الأمر بمنطقة شمال إفريقيا و الساحل أو بمنطقة التقاطع بين العراق و سوريا و إيران و تركيا
· عملية إعادة بناء الفرد ليصبح أصوليا تبدأ باستبدال مشاعر الذنب والعدوان السلبي بعدوان إيجابي على الذات، تليها عملية الإدماج داخل منظومة الجماعة الجهادية
· بناء الفكر المتطرف لذات استعلائية تتأسس على تمثل ذاتها كفرقة ناجية/ منصورة-مجاهدة، مقابل آخر جاهلي-ضال-كافر
· خلال مرحلة إعداد الجهادي لتنفيذ الفعل الاستشهادي، يتم تعزيز استعداداته بدعائم دينية ونفسية ومادية متعددة، تبدأ بإقناعه بشرعية الفعل الانتحاري، مرورا بتقليص قلق الموت
الدكتور المصطفى الرزرازي ، باحث مغربي مختص في الشئون الإستراتيجية و تدبير الأزمات ، حصل على الدكتوراه من جامعة طوكيو الوطنية عام 1997، تنضاف إليها اليوم دكتوراه في علم النفس الإكلينيكي ناقشها قبل أيام بجامعة محمد الخامس بالرباط بالمغرب حول موضوع “دراسة عيادية حول العمليات الانتحارية في العالم المعاصر-بحث حول الديناميكيات النفسية للانتحاريين-الاستشهاديين-“. درس المصطفى الرزرازي بعدد من الجامعات الأسيوية و الأمريكية و العربية خلال الفترة ما بين 1998-2013، و هو اليوم يمارس نشاطه العلمي و الأكاديمي بعدد من المراكز العلمية و الجامعات المغربية و اليابانية.
س: هل لك أن تحدثنا عن أهم خصوصيات أطروحتك المتعلقة بدراسة الانتحار الاستشهادي؟
الرزرازي: أطروحتي الجديدة هذه تأسست على فرضيتين مركزيتين حاولنا الإجابة عنهما::
الأولى تنطلق من أن الرغبة في الانتحار تهدف إلى وقف الألم وليس وقف الحياة. وأن الإنسان عادة ما يريد أن يعيش، ولذا فالرغبة في الموت ليست هدفا في حد ذاته إذ غالبا ما تتشكل الرغبة في الموت خلف رغبة في الحياة واستجلاب الراحة للذات المعذبة وتخليصها من آلامها. غير أن تعطيل/ أو تعطل القوى الدفاعية يؤدي بالإنسان إلى الاستسلام لفكرة الراحة والرغبة القوية في وقف الألم.
أما الثانية، فتتأسس على أن الانتحار الاستشهادي هو فعل يخضع في جزء منه لعملية إدراكية لتنفيذ الفعل – يتم التأسيس لها فكريا ومعرفيا- ، ويتم بعد ذلك تهيئ فاعلين لتنفيذه لديهم استعدادات نفسية لقبول دور الاستشهادي. ويتسم الانتحار الاستشهادي بتوافر أربع مقومات أساسية: الاستعدادات النفسية للانتحاري-الاستشهادي، دور الفكر الاستشهادي في تعزيز الاستعدادات المعرفية للاستشهادي، دور التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها الفرد من لدن الجماعات الجهادية في تعزيز ميوله واستعداداته السلوكية وترويضها في اتجاه تنفيذ العمل الاستشهادي، ثم دور التعزيزات الدفاعية لخفض قلق الموت، وإعداد الفرد إلى الانتقال من مرحلة الجهادي إلى مرحلة الاستشهادي المتطوع بنفسه من أجل تنفيذ الفعل الاستشهادي.
س: ما هي الدوافع التي جعلتك تهتم بموضوع شائك مثل هذا؟
الرزرازي: أولا أنا أشتغل حول هذا الموضوع منذ ما يزيد عن 15 سنة تقريبا. و طبعا هناك دوافع موضوعية و ذاتية تكون وراء كل مشروع علمي، أما الجانب الموضوعي ، لقد كان اختيارنا لهذا الموضوع لأربعة أسباب موضوعية و ذاتية:
فظاهرة الإرهاب ظاهرة تنفلت من التقييد الجغرافي لتصبح عالمية تنفذ أهدافها في دول الشمال والجنوب، انطلاقا من تطور مفهوم العدو-القريب-البعيد في فكر حركات الجهاد العالمي. كما أنها ظاهرة بدأت تنفلت من كل التقييدات الإيديولوجية بحيث أصبحت تغطي كل الدول و كل الأديان. ثم هي ظاهرة شهدت تحولا منذ حوالي عشر سنوات بانتقال حركات الجهاد العالمي من الصيغة التنظيمية المركزية في تدبير عملياتها إلى صيغة الشبكات اللامركزية، و تحويل نفسها – و بخاصة تنظيم القاعدة- من حركة تقود الجهاد، إلى فكرة-إيديولوجية مفتوحة لكل من أراد الإيمان بها، وتنفيذ أهدافها دون العودة إلى التنظيم المركزي في تدبير تفاصيل عملياته. وهو ما سيعطي للفرد الاستشهادي أهمية خاصة، من حيث استعادته لجزء هام في صناعة الظاهرة.
2.من الناحية الإبستيمولوجية، تأتي التحولات العالمية لظاهرة العنف السياسي، على نمط العمليات الانتحارية لتضع نتائج البحث العلمي حول الانتحار في حالة إحراج شديدة، حيث أثبتت قواعد المعلومات المتوفرة عن مجموع العمليات الانتحارية التي شهدها العالم منذ أحداث 2001م، أن تنفيذ ظاهرة العمليات الانتحارية لا تنحصر على شريحة العزاب، أو الفقراء، أو مرضى الاكتئاب أو الذكور دون النساء أو الأميين دون المتعلمين. بل امتدت لتتسع قاعدتها الاجتماعية وتشمل الطبقات الوسطى والعليا، ومن فئات الحاصلين على الشهادات العليا.
3. ثم إن الدراسات المتعلقة بظاهرة الإرهاب من مختلف التخصصات ، بما فيها النفسية . ركزت في مجملها على التحليل السببي الاقتصادي أو الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو المعرفي لظاهرة الإرهاب و التطرف. غير ان الوقائع و التطورات التي شهدتها الظاهرة الإرهابية أظهرت أن التحليل السببي لا يكفي وحده في فهم مكونات الفعل الإرهابي الذي يتمايز من حيث هو حدث ، و بين العملية الإرهابية التي نجد لها امتدادات واسعة في الماضي ( الإعداد، التكرار) ولها امتدادات في المستقبل ( التوقع، التوسع، التراكم)، ثم بينها جميعا و بين العوامل التي تعجل بحدوث العمل الإرهابي بحيث تجعل منه ممارسة واقعية ( خاضعة لمقياس الزمن، و المكان، و التدخل الإنساني). من هنا بدت في مرحلة أولى الحاجة إلى التفريق بين الجذور الطبيعية التي تشجع الإرهابيين على وضع الخطط الإرهابية وتجعل للسلوك الإرهابي مغزى للممارسة من قبل الأشخاص، وبين الحالات المباشرة التي تدفع للإرهاب
و داخل هذه الشبكة المتداخلة و المعقدة من العوامل و الأسباب المكونة للظاهرة الإرهابية، يتدخل الفاعل المركزي في العملية الإرهابية، و تنفيذها، و هو الجماعة الجهادية الحاضنة للمشروع الإرهابي ليتصدر بعد ذلك الفرد الجهادي الدور المركزي في تنفيذ فعل قتل نفسه و تفجيرها على الآخرين.
أما الجانب الذاتي فيكمن في كوني عشت باليابان لما يزيد عن عشرين سنة، تخللها مقام لمدة سنة تقريبا بالولايات المتحدة كأستاذ زائر بجامعة برنستن ثم باحث بمركز الدراسات الإستراتيجية بأبو ظبي مما عمق لدي القناعة بضرورة البحث في موضوع الانتحار عامة، و الانتحار الاستشهادي خاصة.
من هنا جاءت هذه المساهمة العلمية أملا منا في أن تشكل إحدى الإضافات التي تغني البحث المتعلق بفهم الظاهرة ومن تم وضع الإستراتيجيات والبرامج الكفيلة بتفاديها وإنقاذ ضحاياها سواء من أولئك الذين يموتون كضحايا للعمليات الانتحارية, أو أولئك الذين ينفذون هذه العمليات بعد أن تم استقطابهم و ترويضهم عقليا ونفسيا وجسديا ثم تحويلهم إلى آلات للقتل الجماعي، أو أولئك الذين اختاروا لأسباب ذاتية أن يموتوا ويأخذوا معهم الآخرين.
فهذه الأطروحة تهدف إلى البحث في مختلف العمليات النفسية التي تصنع من الفرد” انتحاريا-استشهاديا” قادرا على إفناء نفسه و إفناء الآخرين.
س: اعتمدت على ماذا حتى تصل إلى نتائجك هذه؟
الرزرازي: هناك في الواقع قسمان في هذا العمل قسم يتعلق بدراسة الانتحار ” العادي”، ثم قسم يشمل الانتحار الاستشهادي. و قد نهجنا في تحليلنا للظاهرة مسلكين، الأول مسح نظري لمجمل النظريات، شمل في الجزء المتعلق بتحليل الانتحار الاستشهادي عرض مختلف النظريات التي اشتغلت حول الظاهرة، و التي تم تصنيفها إلى إثني عشر مقاربة: أولها المقاربة الفسيولوجية ثم مقاربة الإحباط-العدوان، و مقاربة أثر الثقافات الفرعية، و مقاربة الهويات السلبية،و مقاربة الغيظ النرجسي، و مقاربة التحول التدرجي نحو الإرهاب، و مقاربة الاغتراب،و مقاربة القمع المولد للعنف، و مقاربة الموت من أجل القتل، و مقاربة الموت من أجل الانتصار، و مقاربة جيرولد بوست و الشخصية النرجسية المرضية ثم مقاربة مارك سايغمان و فرضية سواء الشخصية الإرهابية
ثم في الجزء الميداني لهذه الأطروحة قمنا بدراسة تطبيقية على أدبيات التنظيمات الجهادية حول الظاهرة باستعمال كل تقنيات تحليل المضمون بما تشمل تقنيات التحليل السيميولوجي-النفسي و التحليل اللساني لفهم تمثلات و تنظيرات الجهاديين هم أنفسهم معرفيا و شرعيا و تربويا. كما قمنا بإنجاز استطلاع الرأي لتمثلات المجتمع حول الانتحار شمل عينة من 368 فرد.
إضافة إلى ذلك أنجزنا دراسة تحليلية لأرشيف مصلحة الطب الشرعي حول الانتحار ببعض المدن المغربية خلال 2011 و 2012.، علاوة على قيامنا بدراسة إكلينيكية لعدد من الحالات التي كادت تنفيذ فعلها الانتحاري – الاستشهادي
س :ما هي أم نتائجك بخصوص الدوافع النفسية التي تدفع الجهاديين إلى تنفيذ العمليات الانتحارية؟
الرزرازي: إن عملية إعادة بناء الفرد ليصبح أصوليا تبدأ باستبدال مشاعر الذنب والعدوان السلبي بعدوان إيجابي على الذات، تليها عملية الإدماج داخل منظومة الجماعة بما تمنح من مشاعر الدفء تحل محل دفئ الأسرة البيولوجية، تليها عملية التماهي والتوحد بمثال أعلى إيجابي جديد (القدوة). حيث تنشط آلية الانشطار الانفعالي Clivage / Split-off. فيوجه الحب كله إلى موضوع معين يحتل عند الذات مرتبة المثال المنزه عن الشوائب ( الخير، الطيبة الكاملة) كما يوجه العدوان كله على موضوع آخر فيصبح نموذجا ومجسدا للشر كله ( الولاء و البراء). غير أن عملية إعداد الفرد وترويضه لقبول أهداف الجماعة الجهادية لا تكفي في الواقع لصناعة الانتحاري، ما لم يتم توفير تعزيزات معنوية، و روحية ونفسية لخفض قلق الموت، ومن تم تهيئ الفرد لقبول تنفيذ عملية الاستشهاد.
س: ما هي إذن النقطة الحاسمة في نقل الافراد إلى عالم الحركات الجهادية ثم إلى تنفيذ الفعل الانتحاري؟
الرزرازي: إن دور الجماعة في بناء الآلة التنفيذية للفعل الانتحاري-الاستشهادي، سواء من خلال قيم التطرف كخزان للفكر الاستشهادي/ الانتحاري، أو من حيث دور الفكر المتطرف في تنمية الميول الجهادية. ففي تحليلنا لدور بناء الفكر المتطرف لذات استعلائية تتأسس على تمثل ذاتها كفرقة ناجية/ منصورة-مجاهدة، مقابل آخر جاهلي-ضال-كافر. توقفنا على كيف يتم الفصل بينهما فصلا انشطاريا استنادا على مفهوم الولاء و البراء، انطلاق من تعديل فكر أعضاء الجماعة عبر خمس ديناميكيات: ديناميكية انعزالية، ديناميكية انشطارية ، ديناميكية توليد الحاجات وتحقيق الإشباعات البديلة تنشط هذه الديناميكية عبر عدة آليات من أبرزها، ديناميكية مبنية على آلية المفاصلة و الانشطار ثم ديناميكية تفريغ العدوان).
قد تكون تنمية العدوان عند المستقطبين، إذ أن الاستجابات العدوانية الايجابية هي آلية لخفض مستوى التوتر النفسي. بحيث إذا كانت الاستجابات العدوانية السلبية مؤشر على قوة الأنا وقدرته على المقاومة فإن التطرف-التصلب يمثل دفاعاً ضد القلق، إذ عندما تشعر الذات بالتوتر تميل إلى البحث عن مجموعة من الأفكار والسلوكيات المتسمة بالتصلب كآلية دفاعية لحماية الضعف الذي تشعر به داخلها.
كما تبدو تجربة نبذ الموضوع وعلاقته بالمرحلة المبكرة للاستقطاب وفصل المراهق عن محيطه الأسري مركزية في فهم أول مراحل الإعداد للفرد وتحويله إلى مشروع انتحاري-استشهادي (بالفعل أو بالقوة). إذ أن تجربة الانشطار كما يعيشها المراهق داخل الجماعة الجهادية الأصولية. ويبدو أن للفصل عن المحيط وتعزيز وسائل الإنكار والنبذ أهمية ديناميكية نفسية مركزية في فصل الموضوعات السيئة عن الموضوعات الطيبة بشكل حاد، إذ يتم معها تجاوز قلق الانفصال بتعزيز الانشطار و نقل القلق من “قلق لا إرادي” مرتبط بحالة الخطر، إلى” قلق إرادي” بعد إسقاطه على عدو-مصدر خطر خارجي. يصبح معه هذا القلق عنصرا وظيفيا إيجابيا في عمل الأنا.
في تقسيم إجرائي لتحولات الفرد قسمنا مراحل التطور التدريجي للفرد منذ استقطابه إلى تنفيذه للفعل الانتحاري الاستشهادي، بالتمييز بين مرحلة ما قبل الاستقطاب، ثم مرحلة الاستقطاب بكل أنماطها ، مرورا بمرحلة الترويض و الإعداد إلى حين اكتمال الخصائص المميزة للعضو كجهادي مستعد للموت في ” سبيل الله”. كما حرصنا على التمييز بين مختلف التغيرات التي تحدث للفرد خلال هذه المراحل سواء تعلق الأمر بالتغيرات الوجدانية النفسية ( عبر آلية الانشطار)، أو بالتغيرات المعرفية ( تعديل الفكر) ومن خلال تعزيز التنافر المعرفي، أو بما يتعلق بتعديل السلوك ( من خلال عملية التعلم الاجتماعي و التحكم الناعم، و غيرها من تقنيات تعديل السلوك). لنخلص إلى أنه حتى في هذه المرحلة التي تكون فيها حلقة إعداد العضو الجهادي قد اكتملت. يبقى القول بأن ليس كل جهادي بقادر على أن يتحول إلى انتحاري-استشهادي.
للإجابة على هذه النقلة من الفاعل الجهادي إلى الفاعل الانتحاري – المنفذ لفعل ” الاستشهاد”، قمنا بتحليل الديناميكيات النفسية للعمليات الانتحارية-الاستشهادية، سواء بعرض مختلف النظريات التي اشتغلت حول الظاهرة، و التي تم تصنيفها إلى إثني عشر مقاربة: أولها المقاربة الفسيولوجية و مقاربة الإحباط-العدوان، و مقاربة أثر الثقافات الفرعية، و مقاربة الهويات السلبية،و مقاربة الغيظ النرجسي، و مقاربة التحول التدرجي نحو الإرهاب، و مقاربة الاغتراب،و مقاربة القمع المولد للعنف، و مقاربة الموت من أجل القتل، و مقاربة الموت من أجل الانتصار، و مقاربة جيرولد بوست و الشخصية النرجسية المرضية ثم مقاربة مارك سايغمان و فرضية سواء الشخصية الإرهابية.
أما بخصوص التعزيزات النفسية التي يتعرض لها العضو-الجهادي حتى يقبل على تنفيذ الفعل الانتحاري-الاستشهادي، فإنه إذا كان الجهادي يخضع لعمليات تعديل الفكر والسلوك في كل المراحل اللاحقة على تجنيده، فإنه خلال مرحلة إعداده لتنفيذ الفعل الاستشهادي، يتم تعزيز استعداداته بدعائم دينية ونفسية ومادية متعددة، تبدأ بإقناعه بشرعية الفعل الانتحاري، مرورا بتقليص قلق الموت عنده، بما يشمل التمثلات القبلية للألم المحتمل عند الانفجار أو الموت بصورة عامة، وكذا خفض الشعور بالذنب (في حالة حدوثه)، عبر تعزيزات تتصدى للمقاومات المعرفية الوجدانية و الوجودية بصورة عامة، خاصة في موقف يتعلق من الانتقال من الوجود إلى العدم.
ذلك أن عملية التعزيزات لا تقتصر فقط على الإقناع من خلال تعديل الفكر و السلوك، بل تمتد إلى عملية تبادلية تشبه بالضبط التوصيف الديني للتضحية الاستشهادية كتجارة مع الله. إذ تأتي التعزيزات على شكل عرض كامل/ مغري لوهب النفس في سبيل الله، تشمل التعزيزات المعنوية والميتافيزيقية والدافعية و التعزيزات شبه جنسية و التعزيزات الاجتماعية.
س: هل تعتقد أن المراهق و الراشد يخضعان لنفس عملية الاستقطاب للتحول على استشهادي و يتفاعلان بنفس الدرجة؟
الرزرازي: كما أشرنا سابقا، ظاهرة العمليات الانتحارية لا تنحصر على شريحة العزاب، أو الفقراء، أو مرضى الاكتئاب أو الذكور دون النساء أو الأميين دون المتعلمين. بل امتدت لتتسع قاعدتها الاجتماعية وتشمل الطبقات الوسطى والعليا، ومن فئات الحاصلين على الشهادات العليا.
لكن مع ذلك يبقى المراهق الشخص الأكثر ترشيحا للانسياب ، و الاستقطاب لهشاشة آلياته الدفاعية، و عدم اكتمال نضجه خاصة في الشق المتعلق بالذكاء الاجتماعي و الذكاء العاطفي.
فإذا ما سلمنا بأن أغلب الأفراد الذين يتم استقطابهم من لدن الجماعات الجهادية هم من شريحة الشباب، فإنه من الجلي أن طبيعة الفترة العمرية للمراهقة تلعب حتما دورا – افتراضيا- في تهيئ المراهق لعملية الاستقطاب بما يشمل تقبله لقيمها الفكرية المبنية على تغذية العدوان والكراهية.
س: إذا ما عدنا إلى الأحداث المتتالية اليوم، بدأ الحديث عن تحول جديد في بنية الشبكة الجهادية العالمية مع “داعش” و ما تلا ذلك من تطورات بالعراق بعد إعلان إمارة إسلامية، كيف انظر إلى هذه التطورات من زاوية اهتمامك كباحث استراتيجي أيضا يهتم بظاهرة الإرهاب منذ أكثر من 15 سنة؟
الرزرازي: في قراءة أولية للتطورات المتتابعة منذ 2006، يمكننا القول أن تنظيم القاعدة عاش مرحلة جديدة في بنائه التنظيمي جسدته حالة الانتقال من تنظيم مركزي على شبكة غير مركزية، و قد أملت عليه حالة الحصار الأمني التي عاشها التنظيم، و كذا تغير القيادات في تبني هذا التحول الذي بدا و كأنه قدري و طبيعي في تطور التنظيم. أما التحول الثاني، و هو ما قد نقرأه جليا في أدبيات منظري القاعدة هو الاتجاه نحو البحث عن ساحات جديدة للقتال لتأمين أسباب وجود التنظيم، و قد كانت محطة الساحل مركزية في بداية الأمر، انضافت إليها سوريا ثم العودة إلى العراق كبيئة مضطربة .
كما ساعد الاضطراب الذي رافق حالة الغليان التي عاشها العالم العربي خلال الفترة ما بعد 2011 ( الربيع العربي) إلى فتح بؤر جديدة للقاعدة و الجماعات الجهادية المتوالدة عنها و إيجاد مساحات جديدة لها بليبيا و المناطق المجاورة. لكن التوقع الاستراتيجي الواضح اليوم هو أن الجماعات الإرهابية ستكون أكثر نشاطا في مناطق التقاطعات الحدودية بين الدول سواء تعلق الأمر بمنطقة شمال إفريقيا و الساحل أو بمنطقة التقاطع بين العراق و سوريا و إيران و تركيا.
التعليقات
اترك تعليقا