بدأ تمام عبد الكاظم تعاطيه للحبوب المسكنة قبل عامين مضت لاجل تهدئة اعصابه التي تعرضت الى ضغط شديد عندما شهد بنفسه عملية تفجير وقعت في وسط بغداد. ولم يمض وقت قصير حتى اصبح تمام مدمنا. تمام البالغ من العمر 35 عاما واحد من اعداد كبيرة ومتزايدة من العراقيين الذين جنحوا الى المخدرات كي تساعدهم ليتغلبوا على العنف اليومي المتفجر وباقي مشاكل ومتاعب الحياة التي يعانونها حتى اصبحت جزءا من حياتهم المستمرة هكذا. يعلق تمام عن هذا الموضوع قائلا للمرة الاولى في حياتي شاهدت بأم عيني اجزاء بشرية ورؤوسا واطراف وادمغة ممزقة ومقطعة بعد حصول انفجار وسط بغداد.. واضاف كذلك.. بعد هذا الحادث، لم اتمكن من التفكير بصورة صحيحة ولم استطع النوم بسبب تلك الصور التي شهدتها في تلك المذبحة التي بقيت عالقة في مخيلتي الامر الذي اضطرني للجوء الى المخدرات والالتصاق بها. ثم توجه تمام الى مستشفى ابن رشد النفسي في بغداد ليحصل على المساعدة والعلاج اللازمين مرتين في الاسبوع للتغلب على هذه المشكلة. من جانب اخر، فان مسؤولي وزارة الصحة العراقية يقولون ان التحمل المتمثل بالخلاص من نظام صدام قائم من ظواهر سلبية كثيرة مثل الوصفات الطبية الخاطئة والمخدرات غير القانونية التي اصبحت اكثر شيوعا واستخداما من الكحول. في هذا السياق، يعلق الدكتور شعلان جودة العبود من مستشفى ابن رشد قائلا.. ان المواد المخدرة غير لقانونية متوفرة في كل مكان في العراق وان اي شخص قادر على الحصول على منتجات طبية تضم مواد مخدرة ومسكنة من اي صيدلية او بائع متجول عبر انحاء العراق. واضاف الدكتور العبود.. في الوقت الذي اصبح فيه الحصول على المشروبات الكحولية اكثر صعوبة وخطورة بسبب معاداة المتطرفين لاصحاب محال بيع المشروبات الكحولية واغلاق معظم معامل انتاجها والبارات والمقاهي الليلية، فان من الطبيعي ان يرتفع الطلب بالمقابل على الحبوب المخدرة. في عراق ماقبل الحرب كانت مشكلة الادمان على الكحول سببا في وجود 80% من المدمنين في مستشفى ابن رشد فيما كانت مشكلة المخدرات تقتصر على نسبة الـ 20% المتبقية حسب كلام الدكتور العبود الذي استدرك قائلا.. بعد الحرب تغيرت المعادلة خلال السنوات الثلاث الماضية لتصل الى 70% مدمنين على المخدرات فيما اصبح مدمنوا الكحول 30% فقط من مجموع المدمنين الذين يراجعون المستشفى لمواجهة الادمان بمستشفى ابن البيطار حيث يعمل الدكتور العبود ويعد المستشفى الوحيد في العراق المتخصص بمعالجة حالات الادمان فضلا عن حالات المشاكل الفنية. وحسب الدكتور العبود، فان مستشفى ابن البيطار يستقبل حاليا ما يصل 30 حالة ادمان شهريا وان نسبة 90% من هذه الحالات تعود لافراد تتراوح اعمارهم بين 18-25 عاما. معظم هذه الحالات تعود لافراد من سكنة المناطق الفقيرة من ضواحي بغداد. كما ان تحليلات نفسية جرت مؤخرا اثبتت ان العنف والفقر يمثلان المصدرين الاساسيين هؤلاء باتجاه الادمان. وضمن محاولة لمحاربة هذه الظاهرة، قامت وزارة الصحة العراقية بتطوير برامج وحملات للتوعية تهدف الى توجيه الناس من قبل قسم مكافحة المخدرات في الوزارة فيما قامت منظمة الامم المتحدة بتخصيص مبلغ 2ر 3 مليون دولار لتمويل هذه الانشطة في العراق. لكن المسؤولين القوا اللوم على انعدام الامن في البلاد الامر الذي افقدهم القدرة على الوصول لهؤلاء الذين يسيؤون استخدام المواد المخدرة لاسيما ان هؤلاء المسؤولين يواجهون صعوبات جمة في الوصول الى المناطق النائية والبعيدة. في هذا السياق علق المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العراقية السيد قاسم علاوي قائلا.. ليس بمقدورنا ان نرسل فرقنا الى كل انحاء العراق ولاسيما تلك المناطق النائية والبعيدة التي يعرف ان معدلات الادمان فيها مرتفعة.. واضاف السيد علاوي.. ان نشاطنا مقصور على عقد مؤتمر او اثنين في العام، فضلا عن اصدار ملصقات ونشر اعلانات تلفزيونية في بعض الاحيان. احمد عبدالجبار مزعل شاب عراقي يبلغ من العمر 28 عاما ويحمل شهادة اكاديمية في الادب العربي، لجأ الى المخدرات كوسيلة للهروب من الواقع. في هذا السياق يعلق مزعل الذي يعمل كبائع متجول للسجائر في احد شوارع بغداد قائلا.. ان استهلاكي لهذه الاقراص يمثل الوسيلة الوحيدة التي تسمح لي بالاستمرار والمضي قدما في حياتي. اما تجار وبائعو المخدرات فقد عمدوا الى اختراع وسائلهم الخاصة لترويج تلك المخدرات مثل تسمية (الدموي) لحبوب الفاليوم المنومة وتسمية (الصليب) لحبوب تيغريتول لمرضى الصرع و(الحاجب) لمادة الميثادون التي تستخدم لمعالجة مدمني مادة الهيروين والتي تستخدم هي الاخرى كمادة مخدرة. اما ايمان عودة البالغة من العمر 38 والتي تعمل كمدرسة رياضيات في احدى المدارس الحكومية فقد عانت من عام من الادمان على الادوية المضادة للقلق التي تعرف باسم (ارتين) بعد ان تمكنت من التخلص من محاولة اختطاف استهدفتها. وقد تمكنت ايمان من اجتياز برنامج علاج دام لـ 5 اشهر في مستشفى ابن البيطار واصبحت مستعدة لبدء حياتها من جديد.وتعلق ايمان قائلة.. انني افتقد دروسي وطلابي كثيرا.. حيث اجهشت بالبكاء والدموع وهي تتحدث الموضوع بوجود والدتها وشقيقتها التين جائتا معها لدعمها واخذها من المستشفى. واضافت ايمان.. لقد فكرت في بعض الاحيان بالانتحار لاجل التخلص من هذا الالم، لكني تمكنت من تجاوزه في النهاية.