بقلم فاطمة الزهراء شرف الدين

يعاني ما يناهز 4 مليون رجل مغربي من العجز الجنسي حسب إحصاءات لفرع مختبرات “فايزر” الأمريكية بالدار البيضاء، و هو ما جعل سوق المنشطات الجنسية تحقق أرباحا كبيرة بعد 12 سنة من اكتساحها السوق المغربية سواء عن طريق الصيدليات أو السوق السوداء ، و تأتي الفياغرا في مقدمة هذه الأدوية المعالجة للعجز الجنسي الذي تعزوه الأوساط الشعبية إلى أعمال سحرية ذات طبيعة انتقامية، مما يجعل هذا المرض الجنسي بقرة حلوبا لبائعي الوهم من السحرة و المشعوذين.

“الثقاف” السترة السحرية للعجز الجنسي

” تزوجت في سن الأربعين منذ ثماني سنوات و مازلت عذراء حتى اليوم” تحكي ثريا و هي تطرطق أصابع يديها بهستيرية و تضيف:” لزمت الصمت منذ ليلة الدخلة حتى قال لي زوجي إنه ” مثقف” من طرف زوجته المتوفاة التي كانت تحبه و لم ترد امرأة أخرى أن تتقاسمه معها”، و تؤكد هذه المرأة المشرفة على سن الخمسين أنها مصرة على الطلاق ليس فقط للعجز الجنسي الذي يعاني منه زوجها البالغ من العمر 55 سنة بل بسبب المشاكل التي يفتعلها أبناؤه من زوجته الميتة، و تستطرد:” أنا مثار سخرية و تفكه عائلتي كلها فهم يقولون لي ” صمتي صمتي و فطرتي على بصلة”، أنا لا ألوم زوجي على مرضه و لكنني أعيب عليه انهزاميته و سلوكه السلبي، و قد نصحته أكثر من مرة أن يستعمل بعض المواد التي وصفها لي العطار دون جدوى”.

ليست ثريا فقط من تلجأ لمحل العطارة لفك ربط زوجها أو كما يصطلح عليه في المغرب ” الثقاف” ، فالكثير من المغاربة يعزون العجز الجنسي للرجل إلى عمل سحري تقوم به الزوجة أو العشيقة لمنعه من معاشرة نساء أخريات، كما تختلق بعض النساء قصصا أغرب من الخيال عن علاقات جنسية بين أزواجهن و جنيات كقصة عائشة التي تؤكد:” زوجي يمتنع عن ممارسة الجنس معي منذ سنتين و شككت في أن هناك امرأة أخرى في حياته خاصة أنه يخرج قبل الفجر دون أن يقول أين، و يوما ما تبعته، فوجدته يلمس حجرا كبيرا بعضوه الذكري” و تواصل حديثها و هي تردد ” بسم الله الرحمان الرحيم ” ذهبت إلى قريبة لي و حكيت لها الأمر، فأخذتني إلى فقيه أخبرني أن زوجي ” مسكون” بجنية”.

تشهد محلات العطارة بوسط مدينة الرباط حركة دؤوبة خاصة من طرف النساء و يعلق على ذلك سعيد( اسم مستعار):” منذ عشر سنوات و أنا أشتغل في العطارة و جل زبنائي يأتون لحل مشاكل جنسية بالأساس اعتمادا على لائحة من المواد التي طلبها ” الفقيه” أو يهتدون إلى وصفات تتداولها الألسن منذ القدم” و يضيف:” يأتي الرجال كذلك و لكن بنسبة قليلة، فالرجل لا يستطيع المغامرة بإشهار عدم فحولته، لذلك تأتي الزوجة لطلب الأعضاء الذكرية للذئب أو الكبش التي لا يستعملها غير الرجال” و حول مدى فاعليتها يرد ضاحكا:” كل الذين يلجأون إلى العطار يكونون في وضع مزر لذلك حتى لو نصحت أحدهم بعدم فاعلية إحدى المواد فلن يصدق، و أنا كرجل أتعاطف مع الرجال الذين يعانون من “الثقاف” و أخاف أن ينتظرني نفس المصير”.

بالإضافة إلى اللجوء إلى الوصفات السحرية الشعبية يتردد الكثيرون على الأضرحة، بينما يفضل البعض استهلاك العقاقير الطبية بأنواعها لفك اللعنة التي تبدأ فصولها ليلة الدخلة بالنسبة للمتزوجين كما حصل مع سمير، 28 سنة :” يوم زفافي لم أستطع فعل شيء مع زوجتي حتى أنني هجرت الغرفة، و نعتتني بأني لست رجلا، و كاد الأمر أن يتطور إلى الطلاق لولا أن نصحني أحد أصدقائي باستعمال الفياغرا ” و يقول في ذلك عبد المغيث الصائغ دكتور أمراض النساء و التوليد و طبيب خبير محلف:” المشكل أن الناس لا تميز بين الضعف الجنسي و العجز الجنسي، فأنا لا استغرب امتناع بعض الأزواج عن المعاشرة ليلة الزفاف خاصة أن العرس المغربي مرهق، فالرجل يكون محور الحفل و هو يتابع عن كثب التحضيرات: تأخر العدول، جودة خدمة ممون الحفلات، تعليقات الحاضرين…” و يضيف:” العجز الجنسي راجع إلى انخفاض مستوى هرمون التستيرون عند الرجال بين 45 و 65 سنة مما يؤدي إلى عدم قدرتهم على الانتصاب كليا أو بين الحين و الآخر و هذا لا يمنع عدم الإنجاب ،أما الرجال الأصغر سنا فهم يعانون من مشاكل نفسية وإرهاق أي ضعف جنسي ، فالعاجز جنسيا لا تكون لديه الرغبة في الجنس و لا يصل إلى الرعشة الجنسية، و في بعض المرات قد يكون الإرهاق مصاحبا للعجز الجنسي و ليس العكس ولا ندري ما الذي يسبق أولا ليسبب هذا الخلل الوظيفي هل هو العجز أم فقدان الشهوة الجنسية، الأمر أشبه بالدوران في حلقة مفرغة “.

العجز الجنسي يجتاح المغرب

زيادة على فقدان الثقة في النفس و الإحباط الذي يصيب الرجل العاجز جنسيا فإن هذا المرض الذي يشمل ما يقارب أربعة ملايين رجل في المغرب حسب آخر بحث لمصطفى بنميمون الأخصائي في الطب الباطني ومدير مختبرات فايزر المغرب، يؤدي إلى مشاكل اجتماعية تنتهي بالطلاق أو الخيانة الزوجية التي عايشها كريم 24سنة:” لقد كانت لدي صديقة متزوجة و هي أصغر مني بسنة، و قد التقيت بها أول مرة في الشاطئ و كانت تنظر لي بلهفة، في البداية كنت أظنها عازبة، و لكنها باحت لي منذ لقائنا الأول بسر تكتمه عن عائلتها و هو أن زوجها الغني المسن لم يعاشرها يوما لأنه عاجز” و يضيف:” أظن أن زوجها يعلم أنها فقدت عذريتها و لكنه لا يستطيع فضحها لأنه سيفضح نفسه أولا خاصة أنه ألح على والديها للزواج بها، الآن هي تأنس وحدته لا غير أو تعتبر نفسها ممرضته”.

تذكر قصة كريم بفيلم ” سميرة في الضيعة ” الذي أخرجه لطيف لحلو سنة 2007 و يدور حول قصة سميرة و هو الدور الذي قامت به سناء موزيان ، التي تزوجت بعد طول انتظار من فلاح أرمل يملك ضيعة و لكنها تكتشف أنه عاجز جنسيا، فتتحرش بابن أخته و تنشأ بينهما علاقة جنسية تنتهي بطرد هذا الأخير من ضيعة العم المخدوع و عود سميرة للمعاناة من الكبت و الحرمان، و قد خلف الفيلم الذي تناول لأول مرة ظاهرة العجز الجنسي في المغرب ضجة كبيرة لكونه من الطابوهات الجنسية، و قد أكد الدكتور عبد المغيث الصائغ أن” المشكل ليس في أن يتزوج الرجل امرأة أصغر منه أم لا، فمن الناحية الإنسانية، الرجل لا بد له من حياة جنسية سليمة، و على الزوجة أن تساعده في ذلك، و لضمان علاج أكثر فاعلية ننصح أن تأتي الزوجة برفقة زوجها و عليها أن تعلم أنه لن يعود لسابق عهده حتى لا تبني آمالا كبيرة، فهرمون التسترون يبدأ في الانخفاض ابتداء من سن الثلاثين بمعدل 1 في المائة، فالعجز الجنسي لا يأتي بغتة بل هو تراكم سنوات “و يستطرد:” على الزوجة أيضا ألا تحرم زوجها من حقه الطبيعي، فالعملية الجنسية هي التي تعطي إشارات للمخ لإفراز هرمون التسترون المسؤول عن الرغبة الجنسية و عن باقي صفات الذكورة كشعر الإبط و الذقن و الصوت الخشن إلخ ، كما أن عدد مرات المعاشرة يتحكم في زيادة أو نقصان هذا الهرمون، بالإضافة إلى أسباب أخرى تؤدي إلى العجز الجنسي و هي استهلاك الكحول والتدخين و الإدمان على القنب الهندي و السمنة و سمنة البطن و الأمراض الميتابوليكية كارتفاع الكولسترول و مشاكل الكبد و كذا الأمراض المزمنة و استهلاك الأدوية المعالجة للصرع والمنومات”.

الفياغرا المعجزة الزرقاء

لم يكن قرار الشركة الأمريكية “فايزر” إدخال الفياغرا إلى المغرب كأول سوق عربية تهورا أو خطوة غير مدروسة و اعتباطية، فما إن غمرت هذه الحبة الزرقاء السوق المغربية المتسمة بالانفتاح نسبيا بالمقارنة مع باقي الدول العربية سنة 1998، حتى بدأت أرباحها ترتفع بشكل مهول و قد بلغت مبيعاتها سنة 2002، أي أربع سنوات فقط من دخولها 3ملايين دولار سنويا، و تحقق سوق الأدوية المخصصة لعلاج العجز الجنسي سنويا 10 ملايين دولار و تحتكر الفياغرا 35 في المائة من سوق الأدوية الجنسية، كما تأتي في المرتبة العاشرة ضمن لائحة الأدوية الأكثر استهلاكا في المغرب، حسب مصطفى بنميمون مدير فرع الشركة الأمريكية في المغرب.

و بالنظر إلى سعرها المتمثل في 135 درهم، فإن المغاربة يلجأون إلى شراء” البولة الزرقا” من السوق السوداء مقابل 30 درهم فقط و بالتالي توفير 100 درهم، و يقول في ذلك مهدي 40 سنة:” لدي صديق يشتريها من عند أحدهم لأن الصيدلي سيطالبه بوصفة الطبيب، و لكن للأمر مضاعفات، و ليس أدل من ذلك ما وقع لرجل في الحي الذي أسكن فيه، فقد كان يزور امرأة متزوجة و حدث أن توفي في سرير الزوج بسبب أخذه لجرعة زائدة من الفياغرا” و يضيف ضاحكا:” ربما يعاني من مشاكل في القلب، المشكل أن المغاربة ما إن يسمعوا دواء جديدا حتى يقبلوا عليه بدون استشارة الطبيب”.

و يقول في ذلك الدكتور عبد المغيث الصائغ:” تبقى الفياغرا أنجع دواء لعلاج العجز الجنسي رغم أنها تجعل العضو الذكري منتصبا حتى بعد انتهاء المعاشرة، هناك أدوية أخرى كحبوب الأندريول و لكنها مضرة بالكبد، كما أن هناك مرهم تدهن به الأكتاف و الأذرع و البطن قبل 6 ساعات من الجماع و لكن لمسه لجلد المرأة يؤدي إلى ظهور الشعر بجسدها، أما حقن التسترون فهي ممنوعة بتاتا رغم أنها تفيد في الانتصاب و تؤدي إلى كثافة العظام و بروز العضلات و لكنها تتسبب في تضخم البروستات و بالتالي الضغط على قناة البول، كما تسبب ورما في البروستات و سرطان ثدي الرجل” و يضيف:” مفعول الفياغرا يكون سريعا أي بعد نصف ساعة من أخذها و الأهم من ذلك أنها تختفي من جسد الإنسان بعد أربع ساعات من الجماع، و لكن على الرجال التخفيف من تناولها و القيام بتحليلات للبروستات و مراقبة الكبد خاصة للذين يعانون من انقطاع التنفس أثناء النوم أو المعرضين لجلطات الدم في المخ و القلب و القدمين”.

و يبقى الاستهلاك الكبير للمنشطات الجنسية بمختلف أشكالها دليلا على خروج العجز الجنسي لدى الرجل من دائرة الظل و كسر إحدى الطابوهات الجنسية الأكثر حساسية بالنسبة للمجتمعات العربية التي تعتبر فحولة الرجل من ضمن المقدسات، و يزداد الأمر تعقيدا عند الحديث عن الضعف الجنسي للمرأة خاصة وأن هذه الأخيرة مقيدة بالعديد من الضوابط و التقاليد الاجتماعية و الثقافية التي تجعل حياتها الجنسية موضوعا غير قابل للمناقشة سوى في محيطها الضيق.